فصل: الفصل العاشر: أحوال الرياح وأثرها في الأبدان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.الفصل الثامن: تأثير التغيّرات الهوائية:

التي ليست بمضادة للمجرى الطبيعي جداً.
ويجب أن نستكمل الآن القول في سائر التغييرات غير الطبيعية للهواء ولا المضادة للطبيعية التي نعرض بحسب أمور سماوية وأمور أرضية فقد أومأنا إلى كثير منها في ذكر الفصول فأما التابعة للأمور السماوية فمثل ما يعرض بسبب الكواكب فإنها تارة يجتمع كثير من الدراري منها في حيز واحد ويجتمع مع الشمس فيوجب ذلك إفراط التسخين فيما يسامته من الرؤوس أو يقرب منه وتارة يتباعد عن سمت الرؤوس بعداً كثيراً فينقص من التسخين وليس تأثير المسامتة في التسخين كتأثير دوام المسامتة أو المقاربة.
وأما الأمور الأرضية فبعضها بسبب عروض البلاد وبعضها بسبب ارتافاع بقعة البلاد وانخفاضها وبعضها بسبب الجبال وبعضها بسبب البحار وبعضها بسبب الرياح وبعضها بسبب التربة.
وأما الكائن بسبب العروض فإن كل بلد يقارب مدار رأس السرطان في الشمال أو مدار رأس الجدي في الجنوب فهو أسخن صيفاً من الذي يبعد عنه إلى خط الاستواء وإلى الشمال.
ويجب أن يصدق قول من يرى أن البقعة التي تحت دائرة معدل النهار قريبة إلى الاعتدال وذلك أن السبب السماوي المسخن هناك هو سبب واحد هو مسامتة الشمس للرأس وهذه المسامتة وحدها لا تؤثر كثير أثر بل إنما تؤثر مداومة المسامتة.
ولهذا ما يكون الحرّ بعد الصلاة الوسطى أشد منه في وقت استواء النهار.
ولهذا ما يكون الحر والشمس في آخر السرطان وأوائل الأسد أشد منه إذا كانت الشمس في غاية الميل.
ولهذا تكون الشمس إذا انصرفت عن رأس السرطان إلى حد ما هو دونه في الميل أشد تسخيناً منها إذا كانت في مثل ذلك الحد من الميل ولم يبلغ بعد رأس السرطان والبقعة المسامتة لخط الاستواء إنما تسامت فيها الشمس الرأس أياماً قليلة ثم تتباعد بسرعة لأن تزايد أجزاء الميل عند العقدتين أعظم كثيراً من تزايدها عند المنقلبين بل ربما لم يؤثر عند المنقلبين حركة أيام ثلاثة وأربعة وأكثر أثراً محسوساً ثم إن الشمس تبقى هناك في حين واحد متقارب مدة مديدة فيمعن في الإسخان فيجب أن يعتقد من هذا أن البلاد التي عروضها متقاربة للميل كله هي أسخن البلاد وبعدها ما يكون بعده عنه في الجانبين القطبيين مقارباً لخمس عشرة درجة ولا يكون الحرّ في خط الاستواء بذلك المفرط الذي يوجبه المسامتة في قرب مدارس رأس السرطان في المعمورة لكن البرد في البلاد المتباعدة عن هذا المدار إلى الشمالي أكثر.
فهذا ما يوجبه اعتبار عروض المساكن على أنها في سائر الأحوال متشابهة.
وأما الكائن بحسب وضع البلد في نجد من الأرض أو غور فإن الموضوع في الغور أسخن أبداً والمرتفع العالي مكانه أبرد أبداً فإن ما يقرب من الأرض من الجو الذي نحن فيه أسخن لاشتداد شعاع الشمس قرب الأرض وما يبعد منه إلى حدّ هو أبرد.
والسبب فيه في الجزء الطبيعي من الحكمة وإذا كان الغور مع ذلك كالهوة كان أشد حصراً للشعاع وأسخن.
وأما الكائن بسبب الجبال فما كان الجبل فيه بمعنى المستقر فهو داخل في القسم الذي بيناه وما كان الجبل فيه بمعنى المجاورة فهو الذي نريد أن نتكلم الآن فيه فنقول: إن الجبل يؤثر في الجو على وجهين: أحدهما من جهة رده على البلد شعاع الشمس أو ستره إياه دونه والآخر من جهة منعه الريح أو معاونته لهبوبها أما الوؤل فمثل أن يكون في البلاد حتى في الشماليات منها جبل مما يلي الشمال من البلد فتشرق عليه الشمس في مدارها وينعكس تسخينه إلى البلد فيسخنه.
وإن كان شمالياً وكذلك إن كانت الجبال من جهة المغرب فانكشف المشرق.
وإن كان من جهة المشرق كان دون ذلك في هذا المعنى لأن الشمس إذا زالت فأشرقت على ذلك الجبل فإنها كل ساعة تتباعد عنه فينقص من كيفية الشعاع المشرق منها عليه ولا كذلك إذا كان الجبل مغربياً والشمس تقرب منه كل ساعة.
وأما من جهة منع الريح فأن يكون الجبل يصد عن البلد مهب الشمال المبرد أو يكبس إليه مهب الجنوبي المسخن أو يكون البلد موضوعاً بين صدفي جبلين منكشفاً لوجه ريح فيكون هبوب تلك الريح هناك أشد منه في بلد مصحر لأن الهواء من شأنه إذا انجذب في مسلك ضيق أن يستمر به الانجذاب فلا يهدأ وكذلك الماء وغيره وعلته معروفة في الطبيعيات.
وأعدل البلاد من جهة الجبال وسترها والانكشاف عنها أن تكون مكشوفة للمشرق والشمال مستورة نحو المغرب والجنوب.
وأما البحار فإنها توجب زيادة ترطيب للبلاد المجاورة لها جملة.
فإن كانت البحار في الجهات التي تلي الشمال كان ذلك معيناَ على تبريدها بترقرق ريح الشمال على وجه الماء الذي هو بطبعه بارد.
وإن كان مما يلي الجنوب أوجب زيادة في غلظ الجنوب وخصوصاً إن لم تجد منفذاً لقيام جبل في الوجه.
وإذا كان في ناحية المشرق كان ترطيبه للجو أكثر منه إذا كان في ناحية المغرب إذ الشمس تلح عليه بالتحليل المتزايد مع تقارب الشمس ولا تلح على المغربية.
وبالجملة فإن مجاورة البحر توجب ترطيب الهواء ثم إن كثرت الرياح وتسربت ولم تعارض بالجبال كان الهواء أسلم من العفونة.
فإن كانت الرياح لا تتمكن من الهبوب كانت مستعدة للتعقن وتعفين الأخلاط.
وأوفق الرياح لهذا المعنى هي الشمالية ثم المشرقية والمغربية.
وأضرها الجنوبية.
وأما الكائن بسبب الرياح فالقول فيها على وجهين: قول كلّي مطلق وقول بحسب بلد بلد وما يخصه.
فأما القول الكلي فإن الجنوبية في أكثر البلاد حارة رطبة.
أما الحرارة فلأنها تأتينا من الجهة المتسخنة بمقاربة الشمس وأما الرطوبة فلأن البحار أكثرها جنوبية عنا.
ومع أنها جنوبية فإن الشمس تفعل فيها بقوة وتبخر عنها أبخرة تخالط الرياح فلذلك صارت الرياح الجنوبية مرخية.
وأما الشمالية فإنها باردة لأنها تجتاز على جبال وبلاد باردة كثيرة الثلوج ويابسة لأنها لا يصحبها أبخرة كثيرة لأن التحلل في جهة الشمال أقل ولا تجتاز على مياه سائلة بحرية بل إما أن تجتاز في الأكثر على مياه جوامد أو على البراري.
والمشرقية معتدلة في الحر والبرد لكنها أيبس من المغربية إذ شمال المشرق أقل بخاراً من شمال المغرب.
ونحن شماليون لا محالة والمغربية أرطب يسيراً لأنها تجتاز على بحار ولأن الشمس تخالفها بحركتها فإن كل واحد من الشمس ومنها كالمضاد للآخر في حركته فلا تحللها الشمس تحليلها للرياح المشرقية وخصوصاً وأكثر مهب الرياح المشرقيات عند ابتداء النهار وأكثر مهب المغربيات عند آخر النهار.
ولذلك كانت المغربيات أقل حرارة من المشرقيات وأميل إلى البرد والمشرقيات أكثر حراً وإن كانا كلاهما بالقياس إلى الرياح الجنوبية والشمالية معتدلين.
وقد تتغير أحكام الرياح في البلاد بحسب أسباب أخرى.
فقد يتفق في بعض البلاد أن تكون الرياح الجنوبية فيها أبرد إذا كان بقربها جبال ثالجة جنوبية فتستحيل الريح الجنوبية بمرورها عليها إلى البلاد وربما كانت الشمالية أسخن من الجنوبية إذا كان مجتازها ببراري محترقة.
وأما النسائم فهي إما رياح مجتازة ببراري حارة جداً وإما رياح من جنس الأدخنة التي تفعل في الجو علامات هائلة شبيهة بالنار فإنها إن كانت ثقيلة يعرض لها هناك اشتغال أو التهاب ففارقها اللطيف نزل الثقيل وبه بقية التهاب ونارية فإن جميع الرياح القوية على ما يراه علماء القدماء إنما يبتدىء من فوق وإن كان مبدأ موادها من أسفل لكن مبدأ حركاتها وهبوبها وعصوفها من فوق.
وهذا إما أن يكون حكماً عاماً أو أكثرياً.
وتحقيق هذا إلى الطبيعي من الفلسفة.
ونحن نذكر في المساكن فضلاً في هذا.
وأما اختلاف البلاد بالتربة فلأن بعضها طينة حرة وبعضها صخري وبعضها رملي وبعضها حمئي أو سنجي ومنها ما يغلب على تربته قوة مدنية يؤثر جميع ذلك في هوائه ومائه.

.الفصل التاسع: التغيرات الهوائية الرديئة:

المضادة للمجرى الطبيعي وأما التغيرات الخارجة عن الطبيعة فإما لاستحالة في جوهر الهواء وإما لاستحالة في كيفياته.
أما الذي في جوهره فهو أن يستحيل جوهره إلى الرداءة لأن كيفية منه أفرطت في الاشتداد أو النقص وهذا هو الوباء وهو بعض تعفن يعرض في الهواء يشبه تعفن الماء المستنقع الآجن.
فإنا لسنا نعني بالهواء البسيط المجرد فان ذلك ليس هو الهواء الذي يحيط بنا فإن كان موجوداً صرفاً نعني أن يكون غيره.
وكل واحد من البسائط المجرّدة فإنه لا يعفن بل إما أن يستحيل في كيفيته وإما أن يستحيل في جوهره إلى البسبط الَاخر بأن يستحيل مثل الماء هواء بل إنما نعني بالهواء الجسم المبثوث في الجو وهو جسم ممتزج من الهواء الحقيقي ومن الأجزاء المائية البخارية ومن الأجزاء الأرضية المتصعدة في الدخان والغبار ومن أجزاء نارية.
وإنما نقول له كما نقول لماء البحر والبطائح ماء.
وإن لم يكن ماء صرفاً بسيطاً بل كان ممتزجاً من هواء وأرض ونار لكن الغالب فيه الماء فهذا الهواء قد يعفن ويستحيل جوهره إلى الرداءة كما أن مثل ماء البطائح قد يعفن فيستحيل جوهره إليها وأكثر ما يعرض الوباء وعفونة الهواء هو آخر الصيف والخريف وسنذكر العوارض العارضة من الوباء في موضع آخر.
وأما الذي في كيفياته فهو أن يخرج في الحرّ أو البرد إلى كيفية غير محتملة حتى يفسد له الزرع والنسل وذلك إما باستحالة مجانسة كمعمعة القيظ إذا فسد أو استحالة مضادة كزمهرة البرد في الصيف لعرض عارض.
والهواء إذا تغيّر عرضت منه عوارض في الأبدان فإنه إذا تعفن عفن الأخلاط وابتدأ بتعفين الخلط المحصور في القلب لأنه أقرب إليه وصولاً منه إلى غيره.
وإن سخن شديداً أرخى المفاصل وحلل الرطوبات فزاد في العطش وحلل الروح فأسقط القوى ومنع الهضم بتحليل الحار الغريزي المستبطن الذي هو آلة للطبيعة وصفر اللون بتحليله الأخلاط الدموية المحمرة اللون وتغليبه المرة على سائر الأخلاط وسخن القلب سخونة غير غريزية وسيل الأخلاط وعفنها وميلها إلى التجاويف وإلى الأعضاء الضعيفة وليس بصالح للأبدان المحمودة بل ربما نفع المستسقين والمفلوجين وأصحاب الكزاز البارد والنزلة الباردة والتشنج الرطب واللقوة الرطبة.
وأما الهواء البارد فإنه يحصر الحار الغريزي داخلاً ما لم يفرط إفراطاً يتوغّل به إلى الباطن فإنّ ذلك مميت والهواء البارد غير المفرط يمنع سيلان المواد ويحبسها لكنه يحدث النزلة ويضعف العصب ويضر بقصبة الرئة ضرراً شديداً وإذا لم يفرط شديداً قوى الهضم وقوى الأفعال الباطنة كلها وأثار الشهوة وبالجملة فإنه أوفق للأصحاء من الهواء المفرط الحر.
ومضاره هي من جهة الأفعال المتعلقة بالعصب وبسده المسام وبعصره حشو وخلل العظام.
والهواء الرطب صالح موافق للأمزجة أكثرها ويحسن اللون والجلد ويلينه ويبقي المسام منفتحة إلا أنه يهيىء للعفونة واليابس بالضد.

.الفصل العاشر: أحوال الرياح وأثرها في الأبدان:

قد ذكرنا أحوال الرياح في باب تغيرات الهواء ذكراً ما إلا أنا نريد أن نورد فيها قولاً جامعاً على ترتيب آخر ونبدأ بالشمال.
في الرياح الشمالية.
الشمال تقوي وتشد وتمنع السيلانات الظاهرة وتسد المسام وتقوي الهضم وتعقل البطن وتدرّ البول وتصحح الهواء العفن الوبائي وإذا تقدم الجنوب الشمال فتلاه الشمال حدث من الجنوب إسالة ومن الشمال عصر إلى الباطن وربما أقى إلى انفتاح إلى خارج ولذلك يكثر حينئذ سيلان المواد من الرأس وعلل الصدر والأمراض الشمالية وأوجاع العصب ومنها المثانة والرحم وعسر البول والسعال وأوجاع الأضلاع والجنب والصدر والاقشعرار.
في الرياح الجنوبية.
الجنوب مرخية للقوة مفتحة للمسام مثوّرة للاخلاط محرّكة لها إلى خارج مثقلة للحواس وهي مما يفسد القروح وينكس الأمراض ويضعف ويحدث على القروح والنقرس حكاكاً ويهيج الصداع.
ويجلب النوم ويورث الحميّات العفنة لكنها لا تخشن الحلق.
في الرياح المشرقية.
هذه الرياح إن جاءت في آخر الليل وأول النهار تأتي من هواء قد تعدل بالشمس ولطف وقلّت رطوبته فهي أيبس وألطف وإن جاءت في آخر النهار وأوّل الليل فالأمر بالخلاف.
والمشرقية بالجملة خير من المغربية.
في الرياح المغربية.
هذه الرياح إن جاءت في آخر الليل وأول النهار من هواء لم تعمل فيه الشمس فهي أكثف وأغلظ وإن جاءت في آخر النهار وأول الليل فالأمر بالخلاف.